فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجواب: أن موسى عليه السلام لما جاء، وعدهم بزوال تلك المضار فظنوا أنها تزول على الفور.
فلما رأوا أنها ما زالت، رجعوا إليه في معرفة كيفية ذلك الوعد فبين موسى عليه السلام أن الوعد بإزالتها لا يوجب الوعد بإزالتها في الحال، وبين لهم أنه تعالى سينجز لهم ذلك الوعد في الوقت الذي قدره له، والحاصل أن هذا ما كان بنفرة عن مجيء موسى عليه السلام بالرسالة، بل استكشافًا لكيفية ذلك الوعد والله أعلم.
واعلم أن القوم لما ذكروا ذلك قال موسى عليه السلام: {عسى رَبُّكُمْ} قال سيبويه: {عَسَى} طمع وإشفاق.
قال الزجاج: وما يطمع الله تعالى فيه فهو واجب.
ولقائل أن يقول: هذا ضعيف لأن لفظ {عَسَى} هاهنا ليس كلام الله تعالى بل هو حكاية عن كلام موسى عليه السلام، إلا أنا نقول مثل هذا الكلام إذا صدر عن رسول ظهرت حجة نبوته عليه الصلاة والسلام بالمعجزات الباهرة أفاد قوة النفس وأزال ما خامرها من الانكسار والضعف فقوى موسى عليه السلام قلوبهم بهذا القول وحقق عندهم الوعد ليتمسكوا بالصبر ويتركوا الجزع المذموم ثم بين بقوله: {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} ما يجري مجرى الحث لهم على التمسك بطاعة الله تعالى.
واعلم أن النظر قد يراد به النظر الذي يفيد العلم.
وهو على الله محال، وقد يراد به تقليب الحدقة نحو المرئي التماسًا لرؤيته.
وهو أيضًا على الله محال، وقد يراد به الانتظار.
وهو أيضًا على الله محال، وقد يراد به الرؤية، ويجب حمل اللفظ هاهنا عليها.
قال الزجاج: أي يرى ذلك بوقوع ذلك منكم لأن الله تعالى لا يجازيهم على ما يعلمه منهم، وإنما يجازيهم على ما يقع منهم.
فإن قيل: إذا حملتم هذا النظر على الرؤية لزم الإشكال، لأن الفاء في قوله: {فَيَنظُرَ} للتعقيب فيلزم أن تكون رؤية الله تعالى لتلك الأعمال متأخرة عن حصول تلك الأعمال، وذلك يوجب حدوث صفة الله تعالى.
قلنا: تعلق رؤية الله تعالى بذلك الشيء نسبة حادثة والنسب والإضافات لا وجود لها في الأعيان فلم يلزم حدوث الصفة الحقيقية في ذات الله تعالى. والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا} يعني إن قوم موسى قالوا لموسى: إنهم قد عذبوا قبل أن تأتينا بالرسالة {وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} لأن قوم فرعون كانوا يكلفون بني إسرائيل من العمل ما لا يطيقون، وكان آل فرعون لا يعرفون شيئًا من الأعمال، وكان بنو إسرائيل حذاقًا في الأشياء والأعمال، فكانوا يأمرونهم بالعمل ولا يعطونهم الأجر.
{فَقَالَ} لهم موسى {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} يعني: فرعون وقومه {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ في الأرض} أي: يجعلكم سكانًا في أرض مصر من بعد هلاكهم يعني: من بعد هلاك فرعون وقومه {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} يعني: يبتليكم بالنعمة كما ابتلاكم بالشدة، فيظهر عملكم في حال اليسر والشدة، لأنه قد وعد لهم بقوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا في الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} [القصص: 5].
ويقال: فينظر كيف تعملون من بعده يعني: من بعد انطلاق موسى إلى الجبل فعبدوا العجل. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قالوا} يعني قوم موسى {أُوذِينَا} بقتل الأبناء واستخدام النساء والتسخير. {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا} بالرسالة {وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} بالرسالة وإعادة القتل والتعذيب وأخذ الأموال والأتعاب في العمل.
قال وهب: كانوا أصنافًا في أعمال فرعون فأما ذوو القوة منهم فيسلخون السوابي من الجبال وقد [.......] أعناقهم وعواتقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطع ذلك وقتله.
وطائفة أُخرى قد قرحوا من ثقل الحجارة وسير الليل له، وطائفة يلبنون اللبن ويطنبون الأجر، وطائفة نجارون وحدادون، والضعفاء بينهم عليهم الخراج ضريبة يودون كانت ضربت عليه الشمس، قيل: وإن يردى ضريبته غلت يده إلى عنقه شهرًا، وأما النساء فيقرن اختان وينسجنه فقال موسى عليه السلام لهم {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فرعون {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض} ويسكنكم مصر من بعدهم بالتسخير والاستعباد وهم بنو إسرائيل {مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا} يعني مصر والشام {التي بَارَكْنَا فِيهَا} بالماء والأشجار والثمار. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}.
فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن الأذى من قبل ومن بعد أخذ الجزية. قاله الحسن.
والثاني: أن الأذى من قبل: تسخيرهم بني إسرائيل في أعمالهم لنصف النهار وإرسالهم في بقيته ليكسبوا لأنفسهم. والأذى من بعد: تسخيرهم في جميع النهار بلا طعام ولا شراب، قاله جويبر.
والثالث: أن الأذى الذي كان من قبل: الاستعباد وقتل الأبناء، والذي كان من بَعد: الوعيد بتجديد ذلك عليهم، حكاه ابن عيسى.
والرابع: أن الأذى الذي كان من قبل أنهم كانوا يضربون اللبن ويعطيهم التبن، والأذى من بعد أن صاروا يضربون اللبن ويجعل عليهم التبن، قاله الكلبي، وفي قولهم: {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} قولان:
أحدهما: من قبل أن تأتينا بالرسالة ومن بعد ما جئتنا بها، قاله ابن عباس.
والثاني: من قبل أن تأتينا بعهد الله إليك أنه يخلصنا ومن بعد ما جئتنا به. وفي هذا القول منهم وجهان:
أحدهما: أنه شكوى ما أصابهم من فرعون واستعانة بموسى.
والثاني: أنهم قالوه استبطاء لوعد موسى، حكاه ابن عيسى.
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِك عَدُوَّكُمْ} {عَسَى} في اللغة طمع وإشفاق. قال الحسن عسى من الله واجبة، وقال الزجاج: {عَسَى} من الله يقين.
{وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} في قوله: {فَينظُرَ} وجهان:
أحدهما: فيرى.
والثاني: فيعلم وفي قول موسى ذلك لقومة أمران:
أحدهما: الوعد بالنصر والاستخلاف في الأرض.
والثاني: التحذير من الفساد فيها لأن الله تعالى ينظر كيف يعملون. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقولهم: {من قبل أن تأتينا}.
يعنون به الذبح الذي كان فالمدة التي كان فرعون يتخوف فيها أن يولد المولود الذي يخرب ملكه، والذي من بعد مجئيه يعنون به وعيد فرعون وسائر ما كان خلال تلك المدة من الإخافة لهم، وقال السدي وابن عباس رضي الله عنه: إنما قالت بنو إسرائيل هذه المقالة حين اتبعهم فرعون واضطرهم إلى البحر فضاقت صدورهم ورأوا بحرًا أمامهم وعدوًا كثيفًا وراءهم فقالوا هذه المقالة.
قال القاضي أبو محمد: وبالجملة هو كلام يجري مع المعهود من بني إسرائيل من اضطرابهم على أنبيائهم وقلة يقينهم وصبرهم على الدين واستعطاف موسى لهم بقوله: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم} ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض يدل على أنه يستدعي نفوسًا نافرة، ويقوي هذا الظن في بني إسرائيل سلوكهم هذه السبيل في غير قصة، وحكى النقاش أنهم قالوا ذلك بمصر حين كلفهم فرعون من العمل ما لا يطيقون، وروي أنه كان يكلفهم عمل الطوب ويمنعهم التبن ليشق عليهم عمله، وقوله تعالى: {فينظر كيف تعملون} تنبيه وحض على الاستقامة، وإن قدر هذا الوعد أنه من عند الله فيتخرج عليه قول الحسن بن أبي الحسن: {عسى} من الله واجبة، وقداستخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان، وقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} في هذا الأذى ستة أقوال:
أحدها: أن الأذى الأول والثاني أخذ الجزية، قاله الحسن.
والثاني: أن الأول: ذبح الأبناء، والثاني: إدراك فرعون يوم طلبهم، قاله السدي.
والثالث: أن الأول أنهم كانوا يسخَّرون في الأعمال إلى نصف النهار، ويرسَلون في بقيته يكتسبون، والثاني تسخيرهم جميع النهار بلا طعام ولا شراب، قاله جويبر.
والرابع: أن الأول تسخيرهم في ضرب اللَّبِن، وكانوا يعطونهم التبن الذي يخلطونه في الطين؛ والثاني: أنهم كلِّفوا ضرب اللَّبِن وجعلَ التبن عليهم، قاله ابن السائب.
والخامس: أن الأول: قتل الأبناء واستحياء البنات، والثاني: تكليف فرعون إياهم مالا يطيقونه، قاله مقاتل.
والسادس: أن الأول: استخدامهم وقتل أبنائهم واستحياء نسائهم، والثاني: إعادة ذلك العذاب.
وفي قوله: {من قبل أن تأتينا} قولان:
أحدهما: تأتينا بالرسالة، ومن بعد ما جئنا بها، قاله ابن عباس.
والثاني: تأتينا بعهد الله أنه سيخلِّصنا، ومن بعد ما جئتنا به، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم} قال الزجاج: عسى: طمع وإشفاق، إلا أن ما يُطمِع الله فيه فهو واجب.
قوله تعالى: {ويستخلفكم في الأرض} في هذا الاستخلاف قولان:
أحدهما: أنه استخلاف من فرعون وقومه.
والثاني: استخلاف عن الله تعالى، لأن المؤمنين خلفاء الله في أرضه.
وفي الأرض قولان:
أحدهما: أرض مصر، قاله ابن عباس.
والثاني: أرض الشام، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {فينظر كيف تعملون} قال الزجاج: أي: يراه بوقوعه منكم، لأنه إنما يجازيهم على ما وقع منهم، لا على ما علم أنه سيقع. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قالوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا} أي في ابتداء ولادتك بقتل الأبناء واسترقاق النساء.
{وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} أي والآن أُعِيد علينا ذلك؛ يعنون الوعيد الذي كان من فرعون.
وقيل: الأذى من قبلُ تسخيرهم لبني إسرائيل في أعمالهم إلى نصف النهار، وإرسالهم بقيته ليكتسبوا لأنفسهم.
والأذى من بعدُ: تسخيرُهم جميع النهار كله بلا طعام ولا شراب؛ قاله جُوَيْبر.
وقال الحسن: الأذى من قبلُ ومن بعدُ واحد، وهو أخذ الجزية.
{قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض} {عسى} من الله واجب؛ جدّد لهم الوعد وحقّقه.
وقد استخلفوا في مصر في زمان داود وسليمان عليهما السلام، وفَتحُوا بيت المقدس مع يُوشَع بن نون؛ كما تقدّم.
ورُوي أنهم قالوا ذلك حين خرج بهم موسى وتبعهم فرعون فكان وراءهم والبحر أمامهم، فحقّق الله الوعيد بأن غرّق فرعون وقومه وأنجاهم.
{فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} تقدّم نظائره.
أي يرى ذلك العمل الذي يجب به الجزاء؛ لأن الله لا يجازيهم على ما يعلمه منهم، إنما يجازيهم على ما يقع منهم. اهـ.

.قال الخازن:

{قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا}.
قال ابن عباس: لما آمنت السحرة تبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل والمعنى أن بني إسرائيل لام سمعوا ما قاله فرعون ووعدهم به من القتل مرة ثانية قالوا لموسى قد أوذينا من قبل أن تأتينا يعني بالرسالة وذلك أن بني إسرائيل كانوا مستضعفين في يد فرعون وقومه وكان يستعملهم في الأعمال الشاقة إلى نصف النهار فلما جاء موسى بالرسالة وجرى ما جرى شدد فرعون في استعمالهم فكان يستعملهم جميع النهار وأعاد القتل عليهم فقالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا يعني بالرسالة وظاهر هذا الكلام يوهم أن بني إسرائيل كرهوا مجيء موسى بالرسالة وذلك كفر.
والجواب عن هذا الإيهام أن موسى كان قد وعدهم بزوال ما كانوا فيه من الشدة والمشقة فظنوا أن ذلك يكون على الفور فلما رأوا أنه قد زادت الشدة عليهم قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا فمتى يكون ما وعدتنا به من زوال ما نحن فيه {قال} موسى مجيبًا لهم {عسى ربكم أن يهلك عدوكم} يعني فرعون وقومه {ويستخلفكم في الأرض} يعني ويجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم {فينظر كيف تعملون} يعني فيرى ربكم كيف تعملون من بعدهم.
قال الزجاج: فيرى وقوع ذلك منهم لأن الله تعالى لا يجازيهم بما يعلمه منهم وإنما يجازيهم على ما يقع منهم. اهـ.